جديد المدونة

17 مارس، 2011

حصان طروادة

 
تروي أساطير الإغريق القدماء أن إله الأولمب القوي الجبار (جوبتير) كان محباً للنساء، لا يترك جميلة في السماء أو على الأرض إلاّ ويتعقبها. واتفق أن رأى أثناء إحدى مطارداته الغرامية الملكة (ليديا) أجمل نساء عصرها، فبهر لجمالها فتقمص صورة بجعة بيضاء واقترب من الملكة الحسناء. وجاء ثمرة ذلك الغرام طفلة ورثت عن أمها محاسنها، وزادت عليها ما حباها والدها الإله (جوبتير) من وسامة، فسماها الناس (هيلين الفاتنة). ولما اكتملت أنوثتها رآها ملك (إسبارطة) فأحبها واقترن بها معتقداً أن السعادة قد انهمرت على بيته لأنه اقترن بابنة الإله الأكبر وأجمل نساء البشر على الإطلاق.

ولكن للجمال ضريبته وعلى الرجل أن يدفع، وسيكون الثمن أغلى كلما كانت الزوجة أحلى وأجمل، وهذا ما حدث، فما إن رآها (باريس) ابن ملك طروادة ومنافسة (إسبارطة) في القوة والعظمة والسطوة حتى بهره جمالها ووقع في شرك غرامها، ولما كانت الآلهة في ذلك العهد هي التي تربط القلوب بالحب فقد هبطت ربة الجمال (أفروديت) لتعاون (باريس) في تحقيق أحلامه، فرسمت خطة اختطف بموجبها (باريس) (هيلين) الفاتنة من فراشها ونقلها إلى طروادة. ولم يستطع الإسبارطيون أن يتحملوا تلك الإهانة التي لحقت بكرامتهم القومية، فهبوا للدفاع عن شرف بلادهم وسمعة وطنهم، ولبى الدعوة للقتال آلاف من الأبطال الذين هالهم أن يقتحم الغريب أرضهم ويعبث بحرمتهم ويختطف ملكتهم، كانوا يعلمون أن (طروادة) أقوى منهم، فأسوارها منيعة، وأبراجها شاهقة وجندها مدربون للدفاع عنها، ولكنهم مع ذلك قرروا الزحف إليها، والموت تحت أسوارها دفاعاً عن شرف الوطن، إنه المكان الوحيد الذي يذهب فيه الإنسان إلى الموت طوعاً.

ونشبت بين الفريقين حرب طاحنة عرفت فيما بعد باسم (حرب طروادة)، وكانت حدثاً مهماً في تاريخ الحروب، ليس لكثرة ما سفكت فيها من الدماء، وسقط على أرضها من الضحايا خلال عشر سنوات، وإنما لأنه للمرة الأولى تتغلب فيها الحيلة على الشجاعة، والخديعة على السيف،
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


لقد استطاع (جنود) الجيش الإسبارطي اقتحام طروادة بالعقل والعلم والتقنية. فقام كبير مهندسيهم (يوليوس) بتصميم حصان كبير من الخشب مجوف من الداخل، اختبأت فيه مجموعة من أشجع الجنود ومعهم رئيسهم أولاً، ثم تركوه عند أسوار طروادة وانسحبوا، فاعتقد الطرواديون أنهم هزموا عدوهم فهرب تاركاً وراءه ما لم يستطع حمله، فأدخلوه إلى مدينتهم، ونصبوه وسط الساحة رمزاً لانتصارهم ودليلاً على فرار أعدائهم، لكن ما إن أرخى الليل سدوله ونام الجميع مترنحين بسكرة الانتصار حتى انطلق الإسبارطيون من جوفه، وفتحوا أبواب المدينة لرفاقهم، وكان انتصار الإسبارطيين تاماً، فأحرقوا طروادة عن بكرة أبيها وكانت وسيلتهم في ذلك (حصان طروادة) وفدائييه ممن اختبأ في جوفه من الجنود ورؤسائهم.

وقد هزَّ هذا (الحصان) التاريخ بأكمله حتى إن (هوميروس) خلده بالإلياذة، لكنه أصبح -فيما بعد- رمزاً للحيلة والخداع ومثالاً للانتهازية  في الوصول إلى الأهداف دون أي اعتبار، وتحوّل إلى أسطورة تنتقل من جيل إلى جيل.
 
 

هناك تعليق واحد: